Mohammad abd
اولا: انا لم أهدف في هذا المنشور أبدًا إلى تسوية أخلاقية بين الطرفين أو القول إنهما متماثلان في الوسائل والمرجعيات. بل المقصود هو تسليط الضوء على تشابه في البنية الخطابية والرمزية، لا في الأهداف أو الأخلاق أو الشرعية السياسية. الفرق بين العنف المسلح والنشاط المدني واضح وجوهري، ولم يتم إنكاره.
ثانيا: ذكر التمويل من جهة كقطر لم يكن بهدف نزع الشرعية فقط، بل للإشارة إلى وجود تقاطعات في الرعاية الإعلامية والتمويلية التي أحيانًا تتجاوز الخطاب نفسه. صحيح أن الجهات الممولة لا تحدد بالضرورة طبيعة الخطاب، لكن من المهم عدم تجاهل كيف تُشكّل بيئة التمويل اتجاهات الخطاب وأساليبه.
ثالثا: المقارنة بين البُنى النفسية والرمزية لخطابين مختلفين لا تعني تبرئة أحد أو إدانة الآخر. بل محاولة لفهم كيف تُنتج أشكال مشابهة من السلطة واليقين والاستقطاب حتى من داخل مشاريع تبدو متعارضة.
أما عن أسئلتك في النهاية:
في ما يتعلق بالحقيقة، أعتقد أن الحداثة وما بعدها وضعتنا في موقع لا يمكن فيه الحديث عن "حقيقة مطلقة" غير قابلة للنقاش. معظم القيم والمفاهيم الكبرى اليوم خضعت لإعادة تأويل وتفكيك، ومن هذا المنطلق يصعب تبنّي خطاب يقيني دون الوقوع في سلطوية رمزية. لذلك، أرى أن الحقيقة غالبًا نسبية، وتُبنى داخل شروط اجتماعية وتاريخية، وهذا لا يعني التخلي عن المبادئ، بل التخلي عن ادعاء امتلاك الحقيقة النهائية.
أما بخصوص المظلومية، فأميز بوضوح بين رفع الظلم كفعل سياسي وأخلاقي مشروع، وبين خطاب المظلومية حين يتحول إلى بناء أيديولوجي مغلق. الخطورة لا تكمن في الاعتراف بالمعاناة، بل في تحويل المعاناة إلى سردية مقدسة تطالب الآخرين بالخضوع، وتشرعن العنف والهيمنة تحت شعار "الرد الطبيعي". كما جاء في أحد النصوص النقدية: المظلومية ليست تاريخاً، وسردها انتقائي وكاذب في العمق، وهي ليست ثقافة شعب بل بناء أيديولوجي قابل للنقد. حين تُستخدم المظلومية لفرض خطاب فوقي، أو لتكريس السلطة باسم "الضحايا"، فإنها تصبح عائقًا أمام بناء تواصل حقيقي، وتنتج أشكالًا جديدة من القمع، حتى لو رفعت شعارات التحرر.
برأيي، التعامل الناضج مع المظلومية يبدأ من تجاوزها نحو رفع الظلم، لا ترسيخها كأساس لهوية دائمة، ولا استخدامها لتبرير العنف أو لابتزاز الآخر أخلاقيًا. لا خلاص سياسي أو مجتمعي من داخل خطاب مظلومي، بل من تجاوزه إلى أفق المساواة والاعتراف والعدالة.