هرطوقي مشكور اخي على ردك التفصيلي، إلا ردك رغم اتساعه اللغوي يعاني من مشكلات جوهرية في المنطق الفلسفي، وفي التماسك المنهجي، وفي طبيعة المرجعيات المستخدمة، بمعنى ان ردك غير قادر على الدفاع عن الأطروحة الأصلية فضلًا عن تطويرها للاسباب التالية:
اولا، المصادرة على المطلوب: خلط المقدمة بالنتيجة
اخي انتا ادعيت أنك ما قدمت تفسير أحادي، ولكنك عم تبني النص بالكامل على فرضية واحدة غير مثبَتة الا وهي أن العنف الأصولي هو نتيجة لوعي وجودي بالحداثة وخوف رمزي منها.
بعدين بستنتج من هل الفرضية أن الأصولي بعيش بحالة هلع رمزي من الحداثة، وبالتالي فإن ردة فعل الأصولي هي محاولة إغلاق الفوضى الوجودية.
وهاد هو بما يسمى منطقيًا circular reasoning بحيث انك بتفترض يلي بدك تأثبتو،بعدين بتبني على فرضك نص تأويلي، بعدين بترجع بتدعي انك أثبتت الأصل يلي ما برهنتو حضرتك. شو هو الدليل او البرهان على أن هذا الفهم النفسي الرمزي هو أصل العنف؟ أين الدليل على أن الإصرار على المطلق ناتج عن هلع لا عن إيمان؟
ثانيا، قلب التناقض إلى تعقيد وجودي فلسفيا لا يسعفك
بردك اخي الكريم حاولت انك تنفي التناقض التالي من منشورك الاساسي انو الأصولي ضد الحداثة وبنفس الوقت الاصولي هو ابنها وناتج عنها!!!!! وحاولت نفي التتاقض عبر تحويلك للتناقض إلى “تعقيد وجودي”، وهل اسلوب ما بحل التناقض بس مجرد تغليف غامض دون تفسير او توضيح.
التناقض هون مانو في واقع الأصولي بل ببنية الحجة نفسها، يعني:
اذا كان الاصولي رافض للحداثة بناءً على مرجعية الوحي الالهي، فما بصح منطقيا انك تأول الاصولي كنتاج خالص لحداثة تنفي مرجعية الوحي!!!
واذا كان الاصولي عنجد ابن الحداثة فرفضو الحداثة يعني بصير بهل حالة الاصولي مجرد من جذورو وبالتالي مافينك تفسر هل حالة الا بانفصام فكري وهل شي كمان ما برهنت عليه بمنشورك ولا بتعليقك اخي.
وهل شي مع كامل احترامي الك اخي لا تعقيد ولا هم يحزنون، بل هو ازدواج في التحليل بين انطولوجيا الانسان كفاعل عقدي وانطلوجيا الانسان كذات متأزمة نفسيا
ببساطة يعني من غير الممكن ان يكون الانسان ذات مرجعية ثابتة متمثلة بالوحي وبنفس الوقت يكون هل انسان قلق وجوديا وهش.
ثالثا، النموذج المثالي لا يعفيك من مسؤولية التعميم والتفريغ
ادعائك أنو الأصولي مجرد نموذج تمثيلي (Ideal Type) ما بحل المشكلة، بل يعمقها. لأن النموذج المثالي لازم يستوفي الشروط التالية:
مبني على تحليل تجريبي مقارن، وبيعكس سمات يمكن قياسها أو تتبعها، وبيستند إلى بنية تحليلية منضبطة، لا إسقاطات رمزية فضفاضة.
لكن ما قدمتو حضرتك اخي هو صورة مفترضة لأصولي رمزي، خائف، هش، مسكون بالمطلق، يحارب العالم لأنه عاجز عن فهم المعنى و هادا وصف انفعالي، مانو نموذج علمي. وزيادة على ذلك بتتجاهل التصورات العقدية التي يقوم عليها الفعل الجهادي، ووبتفرغه من بنيته اللاهوتية والسياسية.
رابعا، المفاهيم لا جنسية لها = مغالطة التفكيك
نعم، المفاهيم بتنتقل بين الثقافات، لكن الها اصول أنطولوجية وإبستمولوجية مافينك تتجاهلها ابدا.
لما مثلا تستخدم مفهوم الذات عند لاكان فانت عم تستخدم مفهوم بيفترض أنو الإنسان كائن مُفكك لا وحدة له، يخضع لسلطة اللغة والمتعة والفقد.
ولما تستخدم مفهوم المعنى عند فوكو فأنت عم تنطلق من بنية ترى الحقيقة كمنتج للسلطة والخطاب، لا للوحي أو الطبيعة.
فهل يمكنك ان تستخدم هل مفاهيم لتحليل مشروع إيماني يقوم على مطلق الغيب وعلى وحدة المصدر وعلى ثبات المعنى؟
الجواب العلمي هو اكيد لا مافينك إلا في حالة انك تخضعت هل مفاهيم لنقد جذري وتفكيك منهجي وبعدين لاعادة تأصيل داخل السياق الإسلامي، وهو هل شي ما سويت منو شي ابدا اخي.
خامسا، المنهج التأويلي الرمزي غير منضبط في هذا السياق
انتا ادعيت اخي انك عم تستخدم منهج رمزي تأويلي حسب المفهوم الفرانكفوني ومابعد الاستعمار ولكن ماحددت شو هي ادواتك التأويلية وماحددت شو عم تفسر الاشخاص ولا الخطاب ولا الحركات وما بينت كيف بتوازن بين التفسير النفسي والتحليل السياسي ولا التفكيك الرمزي ولا التأويل التاريخي.
فالنتيجة بصير نصك سردي بيخلط بين مستويات التحليل الديني و الوجودي والاجتماعي والتكنلوجي دون منهجية او ضوابط او معايير.
سادسا، غياب السياق السياسي والاجتماعي لا يُبرر بذريعة أنه “معروف”
قولك بأنو السياق السياسي معروف لذلك تم تجاهله، هو عذر غير علمي مع احترامي الك.
في كل علم اجتماعي، مافينك تحلل ظاهرة كالعنف الجهادي أو الخطاب الأصولي دون الإطار الجيوسياسي، غزو العراق وأفغانستان، سحق الحركات الإسلامية المعتدلة، دعم أنظمة القمع، تواطؤ دولي مع مشروع الإقصاء الإسلامي…
وكل هل شي تم تغيبو لصالح خطاب رمزي بحول المعركة من معركة ضد الهيمنة إلى صراع داخلي مع الذات.
سابعا، المفارقة الرمزية المزعومة مجرد إسقاط بلاغي
قولك انو الأصولي يستخدم أدوات الحداثة ليهاجمها، فيظهر بذلك أنه واعي بها ومُنتج داخلها مع احترامي هو خداع بلاغي وجمباز لغوي ومانو قراءة واقعية.
فمن الطبيعي في العالم الحديث ان يستخدم أي انسان طبيعي الأدوات المتاحة، ما لانو الها رمزية، بل لأنها حتمية واقعية وضرورية.
الجهادي يلي بيستخدم السوشال ميديا ما ضروري ينخرط رمزيًا ببنية الحداثة، بالعكس شخص بيعرف يستخدم الادوات المتاحة لمصلحة فكر مناهض للحداثة.
اخي انتا هون عم تقرأ الأداء العملي قراءة رمزية غير واقعية، و عم تفسر الفعل السياسي كتجسيد رمزي لفجوة داخلية وكمان هيدا ادعاء مافي عليه دليل.
اخيرا:
تحليلك اخي قائم على أسس تفكيكية ونفسية، بتقرأ الدين كأداة لتسكين القلق الوجودي وبتؤطر الجهاد كفعل هستيري وليس كفعل نابع عن عقيدة.
وهادا الشي تفريغ صريح للبنية الإسلامية من جوهرها التوحيدي والشرعي، وإعادة تأويلها ضمن سردية استشراقية جديدة بلغة ما بعد حداثية.
وهل شي ما بينتح فهم بل تسطيح ثقافي بيدمج الجميع في شعور هشّ تجاه الحداثة، بينما هل شي بيتجاهل كل بنية عقدية متماسكة وكل فاعلية سياسية حقيقية.
اخر شي اخي الكريم، الادوات يلي عم تستخدما، عم تستخدما حضرتك من منطلقات وتفسيرات غربية نشأت في سياق غربي وفيها مضامين وتعريفات مسبقة غربية من الناحية الابستمولوجية والانطلوجية وهل ادوات لا تسعفك لتفسير ظواهر نفسية مركبة ومعقدة بتداخل فيها الدين والسياسة والاقتصاد والحروب والقمع والتركيب الثقافي في بيئة مختلفة بشكل جذري عن الواقع الغربي، بالعكس، هل ادوات بتعطيك عدسات غير مناسبة ابدا لاستقراء الواقع.