في المقابلة التي أجراها معه تلفزيون سوريا قبل أيام ظهر الدكتور برهان غليون كمثقف سلطة بجدارة وامتياز، فهو يتبنى برنامج السلطة الحالية ورؤيتها لسوريا الجديدة، وقد تجلى ذلك في النقاط التالية:
1- فهو لم يوجه انتقادا واحدا لهذه السلطة طوال المقابلة التي استمرت أكثر من أربعين دقيقة، إذ لم يتطرق للإعلان الدستوري ولا لآلية تشكيل الجيش السوري وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها السلطة في المرحلة الماضية.
2- دافع عن موقف السلطة من مسألة العقوبات الدولية على سوريا حين أكد بأن العقوبات الدولية وخاصة الأمريكية ستستمر على سوريا وذلك بغض النظر عن الشروط أو الإجراءات المطلوبة من الحكومة السورية لرفع العقوبات، وبالتالي حسب رأيه على الدولة السورية أن تتكيف مع موضوع العقوبات وتعتمد على الموارد الذاتية في النهوض وإعادة الإعمار، الأمر الذي يبرر للسلطة عدم استجابتها للمتطلبات الدولية لأجل رفع العقوبات والتي هي بالمناسبة ضرورة وطنية وتشكل استجابة لاحتياجات المجتمع السوري، أما كيف سيتم النهوض وإعادة الإعمار في بلد أنهكته حرب ضروس استمرت أربعة عشر عاما فهذا مالم يفيدنا الدكتور غليون في الإجابة عليه، رغم اعترافه في المقابلة بأن رجال الأعمال السوريين لن يستطيعوا المساهمة في نهضة الأقتصاد السوري في هكذا ظروف كون رأس المال جبان ويحتاج بيئة آمنة حسب قوله، مالم يقله غليون في مقابلته هو أن على الشعب السوري أن يعاني ويتحمل ويصبر في المرحلة القادمة ظروف الحصار والفقر والخراب التي ورثها عن النظام البائد وكأنك يازيد ما غزيت، أما لماذا عليه أن يتحمل ويصبر وما الضير في استجابة السلطة للشروط الدولية التي أصبحت معروفة فذلك ما لم يتطرق إليه الدكتور غليون.
3- النقطة الأبرز التي تجلى فيها دعمه المطلق للسلطة تمثلت في هجومه المتواصل والشرس طوال المقابلة على النخب السورية السياسية والثقافية محملا إياها كامل المسؤولية في المرحلة القبلة أما لماذا هذا الهجوم على النخب فهو ببساطة في تقديري لأنها متمسكة بالدولة المدنية الديموقراطية فلم نسمع أو نقرأ في خطاب النخب غير ذلك، وقد أفصح عن سبب نقده بدعوة هذه النخب إلى الخروج من حالة الاستقطاب بين علمانية الدولة وإسلاميتها، الأمر الذي يعني التخلي عن مطلب الدولة العلمانية( المدنية ) والقبول بالدولة الإسلامية، داعيا النخب إلى النزول إلى الشارع واللقاء مع الناس لاختبار مغاهيمها وشعاراتها ونشر أفكارها الديموقراطية فالديموقراطية تبدأ من الشعب ، ولكم ذكرني في هذا بموقف الشاعر أدونيس عندما انتفض الشعب السوري مطالبا بتغيير النظام حينها قال أدونيس بأنه يجب تغيير الشعب وليس النظام ، مع اختلاف الظروف فأدونيس كان يدافع عن النظام المخلوع بينما غليون يدافع عن النظام الحالي، وفي هذا يتبنى غليون موقفا شعبويا صريحا.
لقد اعتمد غليون في أجوبته على المغمغة والمناورة متجنبا اللغة الواضحة والشفافة التي لمسناها عند أيمن الأصفري، وذلك للتورية على حقيقة موقفه المؤيد للدولة الإسلامية في سوريا، ولا أدري لماذا يتحرج من إعلان ذلك بشكل صريح، فهو حريص على التحرك في المنطقة الرمادية ربما لكي يحتفظ بتأثيره على جمهور وسطي سيفقد التأثير عليه لو أعلن موقفه الصريح في هذه المسألة.