كتب خالد أبو صلاح على حسابه في فيسبوك:
بعد سقوط النظام البائد وخفوت فرحة التحرير، وجدت سوريا نفسها أمام مرايا كثيرة تكسر صورتها الواحدة؛ تفرقت المواقف، وتشعبت القراءات، في شارع لم يلتقط أنفاسه بعد، وبلدٍ يتأرجح بين نشوة الخلاص وخوف المجهول. في هذا المشهد، يمكن قراءة الاتجاهات المتباينة كالآتي:
1️⃣🔵مؤيد عاطفي للتغيير:
يرى أن مجرد زوال النظام إنجاز كافٍ، ولا يكترث بما بعده. هذا الفريق يعيش نشوة الانتصار أكثر مما يراقب الواقع أو يفكر في المستقبل.
2️⃣🔵مبرر بحسن نية:
يدعم الإدارة، ويخاف الانقسام أكثر مما يخاف الأخطاء. يرى في النقد تهديدًا لوحدة الصف، فيغفر للإدارة كل عثراتها بدافع الحفاظ على "السفينة" من الغرق. أصحاب هذا الاتجاه بلا مشروع سياسي واضح لكنهم متأثرون بخطاب الخطر الداهم.
3️⃣🔵داعم ناقد:
يدعم الإدارة الجديدة، ويضع قدمًا في صفها وقدمًا على عتبة النقد. يرى في نجاحها طوق نجاة لمكتسبات الثورة، وفي فشلها بوابة للفوضى والمصير المجهول. لا يصفق لها بلا وعي، ولا يهدمها بغضب، بل يراقبها بعيون الحريص الذي يعرف أن فشل المرحلة الانتقالية قد يعني خسارة البلد كله.
4️⃣🔵الطبال الأعمى:
لا يرى في الإدارة إلا وجهًا مقدسًا. يرفعها فوق النقد، ويشيطن من يجرؤ على الاختلاف معها. تطبيله أعلى من طبول شبيحة الأمس، لكنه أشد ضررًا على الإدارة من أعدائها؛ إذ يعزلها عن الحقائق، ويدفعها إلى عمى الغرور، ويزيد من سخط الناس عليها.
5️⃣⚠️المراقب المحايد:
يقف على الرصيف يتأمل العابرين. يتابع الأخبار كمن يتابع نشرة الطقس؛ ببرود ولامبالاة. لا تعنيه النتائج، ولا يرهقه التفكير في المصير. بالنسبة له، ما يجري شأن الآخرين لا شأنه.
6️⃣⚠️المراقب الناقد:
اختار أن يقف خارج الاصطفافات، لكن ليس ببرود أو لا مبالاة، بل بعقلية المراقب اليقظ. يدرس الأداء، يرصد التحولات، ويوجه نقده بموضوعية دون أن ينخرط في معارك الاصطفاف أو يرفع شعار "مع أو ضد". قد لا يملك مشروعًا بديلًا، لكنه يملك بوصلة نقدية تحاول أن تُبقي النقاش واقعيًا، بعيدًا عن التهويل أو التبرير.
7️⃣🟣الرافض المطلق (أسير الامتيازات):
لا يرى في التغيير سوى تهديد وجودي له. كان يتمتع بمكانة أو نفوذ أو امتيازات في زمن النظام السابق، ويجد نفسه اليوم خاسرًا في أي معادلة جديدة. لذلك يرفض الإدارة الجديدة جملة وتفصيلًا، لا لخللٍ في مشروعها فحسب، بل لأنه يرى في بقائها نهايةً لدوره ومكانته. موقفه ليس سياسيًا بقدر ما هو دفاع غريزي عن مكاسب الماضي.
8️⃣🟣المعارض الأيديولوجي:
رفض الإدارة قبل أن تولد، لأنه لا يرى فيها صورة مشروعه السياسي أو الفكري. موقفه واضح، متماسك، لكنه محكوم بمرآته الخاصة. ورفضه صادرٌ عن رؤية بديلة لا تلتقي مع توجهات السلطة الحالية.
9️⃣🟣المعارض غير الأيديولوجي:
لا ينطلق رفضه من أيديولوجيا أو مشروع بديل جاهز، بل من قناعة راسخة بأن السلطة الجديدة عاجزة عن إدارة البلاد، ضعيفة الكفاءة، ولم تُظهر بعد رؤية قادرة على حل أزمات البلاد. معارضته أقرب إلى موقف عملي مبني على فقدان الثقة بالقدرة الإدارية والسياسية للقيادة الحالية، أكثر من كونها عداءً مبدئيًا أو فكريًا لها.
🔟🟣المؤيد المعارض:
استقبل الإدارة الجديدة بتفاؤل، ونسي ماضي قادتها على أمل فتح صفحة بيضاء بعد التحرير. دعمها في بداياتها لأنه رأى فيها فرصة لتأسيس مشروع وطني جديد، لكنه مع تراكم الأخطاء واستئثارها بالسلطة وفشلها في معالجة الأزمات، تحوّل إلى معارض صريح. معارضته ليست نكاية ولا أيديولوجيا، بل خيبة أمل ثقيلة من إدارة بدّدت رصيد الثقة الذي منحه إياها.
1️⃣1️⃣🟣المتربص الانتهازي:
لا يسعى إلى بناء أي مشروع، بل يصطاد الأخطاء ويستثمرها لإثبات ذاته كبطل أو مناضل دائم. يخلط بين النقد والمناكفة، فينتهي إلى تغذية الفوضى أكثر من تقديم حلول.
1️⃣2️⃣🟠المحبط المستسلم:
تكسرت روحه على صخرة السنوات الماضية. لا يثق في أي إدارة ولا يؤمن بأي مشروع. يجرّ أذيال اليأس ويشيع الإحباط من حوله، حتى صار حضوره عبئًا على كل فكرة أمل.
1️⃣3️⃣🔴المستثمر البراغماتي:
يرى المرحلة الجديدة فرصة لتحقيق مكاسب شخصية (اقتصادية أو اجتماعية)، فيقف مع السلطة بقدر ما تحقق له مصالحه، وينقلب عليها عند أول خسارة. الوطن بالنسبة له ليس مشروعًا، بل صفقة تتغير أسعارها كل يوم.
الخلاصة
هذه الفئات كلها — على اختلاف دوافعها — هي نتاج حقبة نصف قرن من الاستبداد والتصحّر السياسي، إضافة لمرحلة انتقالية مرتبكة لبلد خرج من أتون حرب طويلة. لا خلاص إلا بعقل الدولة، لا عقل الفصيل أو السوق أو الترند؛ وبمشروع وطني جامع يُشعر كل سوري أن يده ليست أقصر من يد الآخر، ولا كرامته أقل وزنًا. عندها فقط تتحول هذه التناقضات من عبء إلى طاقة بناء، ويصبح المستقبل مشروعًا مشتركًا، لا حلبة صراع جديدة.