لا يخفى على أحد شدة الارتباك الحاصل والصدمة المهولة في الشارع السوري اليوم، كواحدة من أسرع الارتدادات ظهوراً، بعد المؤتمر الإعلامي لصوفان والبابا، وليس آخرها. الموضوع ليس بعارض. فنحن نتحدّث عن قضية "عدالة انتقالية" لشعبٍ رضخَ لعقود تحت حكمٍ جبريٍّ استبداديٍّ دمويّ، أنهته ثورةٌ عظيمة، أعقبتها حربُ إبادةٍ، أنهتها معركة مباركة. جراحنا ما زالت تنزف، لم تندمل بعد. وآلامنا ما فتئت تعتصر أفئدتنا، وستبقى ترافقنا.
نحن أمام معضلة أخلاقية فارقة، عنوانها لا يقلّ إشكالاً وإرهاقاً عن مضمونها: كيف "لأرباب الدم" أن تأمنَ "أرباب الإرهاب" بعدما استأمنهم "أرباب النصر"؟
لست بوارد الدفاع عن هذا النهج المشوّه، الذي اتّبعه الجولاني (سابقاً) وقادته العسكريين، "أرباب النصر" كما أطلق عليهم أحدهم، اتّفقنا أو اختلفنا على طرقهم وطرائقهم. ولا أنوي التهجّم عليه حقيقةً. فالواقع حينها لم يكن أقلّ تشوّهاً أو قسوة. شرٌّ لا بُدَّ منه؟ ربما.
يتمحور الحديث الآن عن المنهجية الناجعة لمعالجة هذه القضية الفاجعة، والتي يمكنها ويجب عليها برأيي التركيز على محاور عدة، منها الماضي، الحاضر والمستقبل، وعلى أصعدة مختلفة، منها الأمني والقانوني/القضائي والمجتمعي.
على الحكومة أن تدرك بدايةً بأن الشفافية المطلقة مع الشعب، مقرونةً بالمهنيّة والنضج الإداري، مفتاح التقبّل النسبي لاختياراتها ورواج قراراتها شعبياً.
بهذا السياق، الحكومة مُطالَبة بشكل عاجل، يحدّ من الخلافات والانقسامات، بطرح منهجيّة شاملة ورؤية متكاملة لتعاملها مع هذا الملف. مؤتمر ركيك، خلق من الأسئلة، أكثر بكثير مما أجاب، لا يكفي أبداً. وفي إطار هذه المنهجية، يجب الخوض والإسهاب في تفاصيل التفاصيل، من قبيل ماهيّة هذا "الاستئمان" وكيفيّته، تبريراته العسكرية، أهدافه الاستراتيجية، أهمّيته الظرفية، جدواه الفعلي، تعليلاته الأخلاقية، تبعاته القانونية، مداه، وحدوده القضائية مستقبلاً. ولا ننسى هنا التشديد على التوثيق الكامل للجرائم ومرتكبيها وضحاياها خلال فترة حرب الإبادة عموماً، ومن قبل هؤلاء "المستأمنين" الطلقاء، خصوصاً!