يرى مالك بن نبي – رحمه الله – أن التخلف الذي تعانيه المجتمعات لا يكمن فقط في الفقر أو الاستعمار أو ضعف الإنتاج، بل في عجز هذه المجتمعات عن ### صناعة الأفكار،
فالمجتمع الذي لا يمتلك القدرة على توليد بدائل فكرية ومنهجية نابعة من عقيدته ومرتبطة بواقعه، سيظل يدور في فلك غيره، ويعيش على هوامش التاريخ لا في متنه.
الأفكار ليست ترفًا نظريًّا، بل هي محرّك التاريخ، من لا يصنع فكرته، يُقاد بفكرة الآخر؛ ومن لا ينتج منهجه، يُساق بمنهج مفروض عليه.
وحين تفقد الأمة بوصلتها الفكرية، تصبح فريسة سهلة للتبعية، مهما علا صوتها بالشعارات أو زخرفت خطابها بالهوية.
مالك بن نبي كان يفرّق بين "القابلية للاستعمار" و"الاستعمار نفسه"، فالمحتل يرحل يومًا ما، أما التبعية الفكرية فهي احتلالٌ ناعمٌ لا يرى، لكنه يوجَّه، يُبرمج، يطبع العقل تحت قوالب لا تشبهه، حتى يفقد الإنسان إحساسه بأن هناك بدائل.
إن التحرر الحقيقي لا يبدأ بالبندقية، بل بالعقل،
والثورة الجذرية ليست في تغيير السلطة، بل في تحرير المنهج، وفي القدرة على رؤية العالم برؤية ذاتية لا استعارة فيها.
وحده المجتمع الذي يطرح أسئلته الخاصة، ويبحث عن أجوبته الخاصة، ويبتكر أدواته الخاصة، هو القادر على صناعة حضارة لا استعارة.