تكتب الدكتورة بتول الجنديّة في ردّ على تغريدة مطوّلة نشرها "أنس حسن":
مقال هام جدًا جدًا.. تحتاج قراءته إلى فتح كل عدادات الدماغ:
أوافق أولاً على المقدمات التي وردت في المقال المرفق، ولستُ بالضرورة موافقة على النتائج التي خلص إليها.
وأريد أن أضيف عليه بعض الأمور التي جعلتني أتريث في مهاجمة الدولة في تعاملها مع الفلول، وأنا ـ بحسب ما هو معروف عني ـ أشد الناس صرامة في مسألة الحقوق.
من منظور شرعي، الحاكم المسلم مخير في الأسرى بين القتل والفداء المالي والمبادلة.
تقدير المصلحة في هذا الأمر يعود إلى تقدير الحاكم لمصلحة الأمة وحاجة الدولة.
ومن منظور شرعي، تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة مع المشركين الذين قتلوا وعذبوا صحابته ولكل منهم ثأر مع بعضهم، بمنطق العفو الشامل، إلا عدة شخصيات أهدر دمها.
السؤال: هل هذا التشريع يسمح للشرع بالعفو عن الفلول والتغاضي عن جرائمهم، ودمجهم في الدولة الجديدة ضاربًا بعرض الحائط كل حقوق المظلومين؟؟
الحقيقة من وجهة نظري الشخصية هناك ثلاثة عوامل تتدخل في الحكم على سياسة الشرع تجاه هذا الأمر، وفي تقبل الناس لها:
الأول عدم إشراك الناس في رؤية الدولة، ولا في أهدافها والمصالح التي تتصورها من سياستها تجاه الفلول.
والثاني وهو يترتب على العامل الأول، فعدم الصراحة والوضوح دفعت الدولة إلى استخدام أسلوب التلاعب والخداع لتمرير سياساتها التي تعلم مسبقًا عدم رضا الناس بها (فمرة تعتقل، ومرة تسرح، وأخرى تحمي..).
الثالث وهو مترتب على العاملين السابقين، فتقبل الناس لسياسات الدولة وتقديرها للمصلحة في التعامل مع الفلول يستلزم ثقة الناس بالدولة، وهذه الثقة مكتسبة لا مستحقة، وتتحقق بمقدار الأخذ والعطاء فيما بين الدولة والشعب، ولا سيما أن تجارب الثورات المضادة ما يزال يستولي على الأذهان، والناس تتخوف من تكرار هذه التجارب في الشام. إن خداع الدولة للناس في مسألة ملاحقة الفلول والاقتصاص منهم أفقدتهم القدرة على منح الثقة للدولة والقبول بسياساتها غير المعللة أساسًا.
وللخروج من مأزق الفوضى والحرب الأهلية المتوقعة فإني أقدم الاقتراحات التالية:
1- شفافية الدولة مع الناس في هذا الملف، وتوضيح أسباب وأهداف سياستها المتساهلة تجاه الفلول.
2- استشارة الناس في الموقف من هذا الملف وعدم فرضه عليهم، فأصحاب الدم لهم الحق في العفو أو قبول الدية، أو القصاص، ولكل منطقة أن ترشح من طرفها من يتحدث باسمها في هذا الملف.
3- تشكيل محكمة ذات صلاحيات مطلقة لتطبيق العدالة الانتقالية بشفافية ونزاهة، تضم قضاة وشرعيين ونيابيين موضع ثقة الناس.
4- أن يكون المدعون في قضايا العدالة الانتقالية شركاء في تقدير الحكم المناسب على من ثبت تورطه عبر القضاء، ويكون من مقتضيات الوصول إلى قرار سليم توضيح عواقف وآثار كل قرار على أصحاب الحق والدولة والمجتمع (الهدف إشراك المدعين في قرار العفو إن كان العفو مفيدًا للدولة بطريقة ما).
أعلم أن هذا المقال سيزعج كل الأطراف، ولكن لا بد من قوله وعلى الله أجري وقصدي.
نسخة من التغريدة الأصليّة للكاتب "أنس حسن" لحفظ السياق:
العدالة الانتقالية ليست أولوية دوما.. في حالة الدولة الفاشلة تكون أولويات بناء الدولة وتثبيت أركانها تسبق تنفيذ العدالة..أحيان كثيرة تكون العدالة الانتقالية فخا لسحب الدولة لمربع الاقتتال الداخلي.. خاصة إذا كانت تتعلق بنسق طائفة كاملة..
هنا لا بد من استخدام مشرط جراح وليس مسار قانون شامل.. إذا كان نتيجته تنفيذ العدالة الانتقالية الساملة هو الاشتباك مع مكون كامل من المجتمع.. لذا لا أنظر لهذه الدعوات في سوريا ببراءة لأني أدرك أن اللاعبين الإقليميين يريدون الاستثمار عبر الدخول كرعاة لانشقاق وانقسام داخلي..
بناء الدولة في سوريا.. الأمن / الاستخبارات / الجيش / الاقتصاد / القانون / الدستور / العلاقات الدولية/ ملفات تسبق مفهوم العدالة الانتقالية في هذه الحالة.. وهذا لا ينفي أبدا تحييد كبار المجرمين..لكن بدون دفع لمكون كامل إلى حالة الحرب والتربص خاصة أن الدولة لا تمتلك بعد سيطرة حقيقية شاملة ولا بنية قادرة على انفاذ القانون ..
أكبر تنفيذ لعدالة انتقالية.. هو تكوين دولة لا يكون لهؤلاء المجرمين قدرة على هزها أو اختراقها.. وإلى ذلك الحين يكون التعامل بمشرط جراح أمني ذكي.. وباستيعاب سياسي محدود