تحت ظل النظام الساقط، نشأت الطائفة الباطنية التي ارتبط مصيرها بالمناصب الحكومية؛ ولم يحصل أفرادها على هذه الميزة عن طريق الكفاءة، بل عن طريق المحسوبية والفساد، وعبر الولاء لا الأداء، كونهم الحاضنة التي استند إليها النظام السابق.
وعلى مرّ العقود، احترفوا التكسّب من السلطة لا من الكدح، فاتخذوا من مواقعهم سيفًا مسلطًا على رقاب الناس، يمارسون التشبيح، ويقتاتون على الرشى، وينهبون المال العام بلا وازعٍ أو مساءلة. وحين تبدّلت موازين الحكم، وأُعيدت هيكلة مؤسسات الدولة على أسس النزاهة والاستحقاق، وجدوا أنفسهم مجرّدين من امتيازاتهم، مقصيين عن وظائف لم يدخلوها أصلاً بحق، فعراهم الواقع وكشف هشاشتهم؛ إذ لم يملكوا علمًا ينفعهم، ولا صنعة تكفل لهم الكرامة.
استفاق هؤلاء من حلمهم الوردي على الكارثة التي حلّت بهم، فقد جفّ ضرع الدولة، ولم يبقَ لهم سوى الحسرات؛ وهذا وبال ما صنعت أيديهم.
وفي المقابل، نجد الغالبية الساحقة من السوريين، الذين حُرِموا من الوظائف الحكومية كونهم ليسوا محسوبين على النظام، قد استطاعوا صناعة مستقبلهم بأيديهم، فانخرطوا في التجارة والصناعة، وتعلموا الحِرَف، وأطلقوا مشاريع مختلفة، بجهدهم واجتهادهم، وبنوا اقتصادهم الخاص بعيدًا عن الامتيازات المصطنعة؛ فكان رزقهم حلالاً نابعًا من كفاءتهم وسعيهم، لا من التسلّط على الناس واستغلالهم، كما فعل أولئك.