إن كانت الدولة الناجحة طبخة لذيذة، لكان الاقتصاد نار الموقد الذي يُطبخُ عليه، ولكانَ التعليم المكونات الطازجة ذات القيمة الغذائية العالية، ولكان الدفاع القِدر المتين، فيه تُطهى ألذّ الأطعمة. ولكن كلّ ما سبق يُعتبر بلا فائدة فعليّة عندما يتواجد بشكل فرديّ، إن لم يكن هناك طباخ ماهر. بمعنى آخر؛ رجل سياسة داهية.
كفاءة النظام السياسي كانت عامل الفصل والحسم عبر التاريخ، فهي شرط عمران وازدهار ونهضة الأمم. ذلك لأنه سقطت حضارات غابرة كثيرة جداً، منها الاقتصادية فاحشة الثراء كالإمبراطورية الرومانية، ومنها ما كان لها نصيبٌ عظيم من العلوم والمعارف كالأندلس، ومنها الأمة شديدة البأس كإسبرطة. ولكن رغم ذلك، تاريخياً كلّهم سقطوا بمرحلةٍ ما، لا لشيء إلا لفشلهم (الموثّق) وقتها في السياسة.
السياسة هي فنٌّ نادر. ليست فنّ الكذب والخداع كما علّمونا في صغرنا، كلا. بل هي فنٌّ ليسَ كمثله فن. من أتقنه او رَغِبَ فعلاً في تعلّمه، وجدَ وجاد الفنون كلّها. السياسة أمّ الفنون. والنظام السياسي الناجح والمستدام هو أمل كل حضارة، أي حضارة. والعكس هو صحيحٌ بدوره تباعاً. ما وصلنا له حتى اليوم من تدهورٍ على كلّ الأصعدة سببه الأول تهافت الساسة في زمن السياسة.